وصلتني اليوم رسالة من أحد العملاء طلب مني فيها أن أقضي في نزاعٍ نشب بين مُترجمٍ ومراجعٍ لديه، فأما الأول فيصرٌّ على أن ترجمته خالية من الزلل والخطأ، وأما الآخر فيدَّعي غير ذلك، فما كان من العميل الذي لا يجيد لغة هذين المتناحرين إلا أن لجأ إليَّ لأحكم فيما شَجَرَ بَيْنَهُما دون أن أميل إلى الأول أو أركن إلى الثاني.
ما هي إلا بضع كلمات قرأتها من النص حتى اتضحت الرؤية، فأما المُترجم فكان من النوع المُجتهد الذي تنقصه بعض اللمسات الفنية القليلة، وأما صاحبنا الذي عُهد إليه بالمراجعة فما هو إلا متحذلق يظن نفسه فيلسوفَ هذا الزمان وشكسبير عصره وأوانه.
فقد عمد إلى الترجمة ليرفع منها كلماتٍ ويستبدل بها مرادفاتها، بل والأدهى والأمرُّ أنه عمد إلى إحدى العبارات الصحيحة وغيَّرها من صيغة المبني للمجهول ليستخدم كلمة "تم" ويقع في الخطأ الشائع الذي يقع فيه الكثير. ولم يكتفِ صاحبنا بهذا كله بل امتدت يداه بالقلم الأحمر ليصحح أرقامًا هي في الأساس صحيحة.
وفي النهاية أودُّ أن أقول إن لكل واحدٍ منا أسلوبه في الكتابة الذي يفرضه على النص الذي بين يديه، ولكن هذا لا يخوله أن يطعن في أعمال الآخرين طالما كانت صحيحة، وإن سولت له نفسه وامتدت يداه بالقلم الأحمر إلى النص فشَوَّه معالمه، فينبغي له أن يوضح للعميل بأن تلك التعديلات ما هي إلا تعديلات أسلوبية تضيف إلى الناحية الجمالية للنص دون أن يشكك في صحة وسلامة ترجمة صديقه المُترجم.