تعريف الترجمة من العربية إلى اللاتينية كيف نجح الإسلام في تطوير علوم الترجمة؟ دور الخليفة المستنصر بالله في تحويل بغداد إلى عاصمةٍ للعلوم والترجمة بالأسماء.. تعرف على الرعيل الأول من علماء الترجمة لا شك أن الترجمة أصبحت أحد أهم العلوم اللغوية الذي يحتاج إليها الجميع في شتى أنحاء العالم؛ بفضل قدرتها على التواصل بين أقطار الكرة الأرضية مهما ابتعدت المسافات واختلفت اللغات، ومع تقدم التكنولوجيا وتحوُّل جميع البلدان إلى العالم الرقمي عَظُم دور الترجمة في المجالات جميعهاً، حتى غدت من أبرز الأشياء التي تعتمد عليها البلدان والمجتمعات في رقي الأمم ونقل العلوم من مصادرها الأصلية إلى اللغات المختلفة وتعلمها بطريقة سهلة وبسيطة. ومن خلال الترجمة يمكن إقامة علاقة تكافؤ بين نصي اللغة المصدر والهدف؛ بمعنى أن النص يؤدي المعنى نفسه باللغتين، ولكن من خلال العمل وفقًا لبعض القيود التي لابد منها في الترجمة، وأبرزها القواعد في اللغتين ومعرفة كيفية الكتابة باللغتين والتعبيرات الخاصة بهما، وما شابه ذلك؛ تصبح هناك علاقة تكافؤ مختلفة بين نصي اللغة المصدر والهدف. ما المقصود بالترجمة؟ هناك تعريف مُحدد للترجمة في اللغة العربية، فهي تأتي بمعنى «النقل» أو «الجلب»، كما أن كلمة «translation» وهي لاتينية الأصل مستمدة في اللغة الإنجليزي من كلمة نقل «transferre»، ومع مرور الوقت صاغت اللغات الأوروبية الحديثة مفرداتها الخاصة ليكون معنى الترجمة هو «translation» وفقًا لنموذج اللاتينية. وأصبح من المعروف أن كلمة ترجمة تعنى نقل النص من اللغة الأصلية الخاصة به إلى لغة أخرى، والمترجم هو الشخص الذي يستطيع نقل الكلام أو النص من اللغة الأصلية له إلى لغة أخرى بأسلوبه الخاص الذي يريد من خلاله إيصال المعلومة التي يريدها من هذا النص، مع الالتزام بقواعد اللغتين والمصطلحات المختلفة؛ لتجنب الفشل في صياغة النص أو تحريفه عن المعنى المقصود منه. تعريف الترجمة في اللغة أما معنى الترجمة لغةً فهي مشتقة من الفعل «ترجم» على وزن فعلل، ومصدرها «ترجمة»، وجمعها «تراجم»، وتأتي من كلمة «رجم» التي تحمل معنى التهذيب، بالإضافة إلى أن لها العديد من المعاني المختلفة، أبرزها أن تكون بمعنى سيرة الشخص، فنقول: هل قرأتُ ترجمة فلان؟ «أي هل قرأت سيرته؟» والمعنى الآخر هو التحويل، فنقول أيضًا: أرغب أن تُترجم الأقوال إلى أفعال.. «أي أرغب أن تتحول الأقوال إلى أفعال»، والمعنى الأكثر شهرةً للترجمة هو نقل الكلام من اللغة الأصلية إلى لغة أخرى، فنقول: «ترجمت النص العربي إلى الفرنسية».. «أي نقلت كلام النص من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية». وعلى الرغم من اختلاف اللهجات في اللغة العربية بين البلدان المختلفة؛ إلا أن مصطلح الترجمة يظل يحمل نفس المعنى بين البلدان المختلفة وهو نقل النص المكتوب من اللغة الأصلية إلى لغة أخرى، كما أنها تُستخدم في ترجمة الحديث أيضًا وليس النص المكتوب فقط. تاريخ الترجمة وعلى الرغم من عدم وجود تاريخ معروف على وجه التحديد للترجمة، وتختلف المصادر التاريخية حول كيف بدأت الترجمة، وكيف عرفها الإنسان؛ إلا أنه وفقًا للعديد من المؤرخين والمراجع التاريخية المختلفة، فإن أول حضارة عرفت الترجمة كانت حضارة ما بين النهرين، حيث عثر المؤرخون على معجم تاريخي يعود إلى آلاف السنين فيه مجموعة كلمات والمعاني المقابلة لها في اللغة اللاتينية. ومع مرور السنوات واختلاف الحضارات ازدهرت الكتابة في بلاد الرافدين ومصر القديمة ومن ثم ازدهرت أيضًا الترجمة إلى اللغات الأخرى، حيث عُثر على بعض الأوراق الأثرية في بلاد الرافدين مُترجَمة من اللغة الفرعونية القديمة، ما يدل على أنه كان هناك ترجمة بين اللغات منذ قديم الأزل. اقرأ أيضًا: تعرف على خدمات شركة (Endpoint Translation) الترجمة عند العرب أما عن العرب، فقد كانوا قبل ظهور الإسلام قبائل لا تعرف القراءة والكتابة ولا تختلط بالأمم المجاورة لها إلا في أضيق الحدود؛ ولذا لم يكن هناك حاجة ضرورية للترجمة، ومع انتشار الإسلام واختلاط العرب بالأمم والشعوب المختلفة كالروم والفرس، ظهرت حاجتهم لعلومهم المختلفة والتي لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال ترجمة الكتب والمؤلفات، ولكن في نطاق محدود على الأشخاص الذين يتعاملون مع هذه العلوم أو الشعوب المختلفة، ومع تولِّي الدولة الأموية الحكم في الأمة الإسلامية كان جليًّا الانفتاح على شعوب العالم المختلفة مما أدَّى إلى ظهور عمليات التعريب في أغلب الدول الإسلامية والعربية، حتى وصلت إلى أكثر فترات ازدهارها بعد ذلك في زمن الدولة العباسية وأصبحت الترجمة من اللغة الأصلية إلى اللغات الأخرى ذات انتشار واسع في العلوم المختلفة، خاصةً مع قدوم العلماء من بلاد الأندلس إلى الدول العربية، أمثال ابن حزم القرطبي وابن جبير النابلسي. الترجمة بين العرب والأندلس وبلاد الأندلس (إسبانيا والبرتغال حاليًا)، كانت هي نقطة انطلاق العصر الحديث في الترجمة، من العربية وإليها، وظهر وقتها ما يُسمى بـ«بيت الحكمة البغدادي»، والذي كان له أثر كبير في ازدهار الحركة الثقافية المتبادلة بين الأندلس والعرب، وتوافد علماء الغرب إلى البلاد الإسلامية أو العكس، وازدهرت الترجمة والتأليف في العلوم المختلفة؛ بفضل التواصل الثقافي بين كلٍّ من الحضارتين؛ حتى تتلمذ الكثير من طلبة الأندلس على يد عباقرة في مدارس الكوفة وبغداد والبصرة. ووفقًا للمؤرخ الأندلسي أحمد الرازي، فقد كان من أهم الحكام العرب المغرمين بالترجمة في الدولة العباسية الأمير عبد الرحمن الثاني (الأوسط)، حيث كان بلاط الأمير هو القِبلة لكل العلماء الذين يأتون من كل أنحاء العالم للتعرف على الدولة الإسلامية والتزوُّد من العلوم المختلفة التي يتقنها العرب، خاصة المترجمين الذين يأتون من بلاد الأندلس ويترجمون اللغة العربية إلى اللغات المختلفة، ما أدى إلى نقل الحضارة العربية بكل تفاصيلها (الفقه، الطب، اللغة، الأدب، المعمار) إلى العالم. وأكد المستشرق الإسباني أميليو كاريثه كومث في مقالته «بغداد بالإسبانية»، كيف ازدهرت الترجمة عند العرب ، بقوله: «لقد أصبحت الحضارة البغدادية ذات نفوذ طاغٍ على مدن إسبانيا التي لم تكن إلا صورًا للمدينة المشرقية، خاصة مع وصول أبي علي البغدادي القالي ومؤلفاته العديدة إلى الأندلس في عصر الخلافة العباسية، وترجمته العديد من العلوم من العربية إلى بلاد الغرب»، كما كان عصر الخليفة المستنصر بالله من أهم العصور التي ازدهرت فيها علوم الترجمة، ما أدى إلى تنشيط الحركة الثقافية، وقد بنى مكتبة خاصة بالقصر كانت تحتوي على أكثر من 400 ألف مجلد، وظهرت طبقة من الأطباء العظماء مثل الزهراوي أكبر جرَّاح في العالم آنذاك، ويونس بن أحمد الحراني، كما زار العديد من علماء الأندلس وأدبائها بغداد والتقوا بأساتذة ومعلمي «بيت الحكمة» وأخذوا عنهم وتتلمذوا على أيديهم ونقلوا العلوم المختلفة إلى مدينة طليطلة الأندلسية بعد ترجمتها من العربية، حتى أصبحت طليطلة منافسة لبغداد في مجال الترجمة الذي انتشر كثيرًا واستمر هذا الازدهار قرنًا كاملاً. وكشف الرحَّالة الأندلسي ابن جبير النابلسي، أن هناك جيلاً من المترجمين برزوا في العصر العباسي للدولة الإسلامية، وكانوا يقومون بترجمة مؤلفات العرب في كثير من المجالات والعلوم المختلفة (الفلسفة والطب وعلم الفلك والرياضيات والفقه والأدب)، كان أبرزهم الأسقف ريموند، والكاهن يوحنا الأشبيلي، والشماس ماركوس الذي ترجم معاني القرآن الكريم، بالإضافة إلى هرمانوس المانوسي الذي ترجم شروح ابن رشد على أرسطو. وأوضح أنه في مدينة طليطلة كان هناك الكثير من المترجمين التابعين لدول أخرى أيضًا يترجمون العلوم المختلفة من اللغة العربية، أبرزهم برونتولابين الذي أرسله ملك روما؛ لترجمة العلوم الطبية والمعمار الإسلامي، والإيطالي جيرار الكريموني، صاحب المجهود الكبير في ترجمة الكثير من علوم الجغرافيا والفلسفة، ومنها كتاب «التصريف» للزهراوي، حيث بلغ عدد ترجماته 70 مؤلفًا عربيًا، كما كان هناك مترجمون متخصصون في الترجمة من العربية إلى اللاتينية مثل ناثان المئوي، وسليمان بن يوسف، وجيوفاني دي كابوا. الترجمة والتكنولوجيا ومنذ هذا الوقت بدأت الترجمة في التطور، خاصة مع التقدم التكنولوجي ، واحتلال الغرب للعديد من الدول العربية التي ظلت فترات طويلة تحت حماية هذه الدول، وصار لزامًا على البلدان العربية اللجوء إلى الترجمة لمعرفة النصوص والقوانين التي أقرها الغرب في بلدانهم، كما أصبحت دول الغرب الأوروبية في حاجة إلى ترجمة النصوص والمستندات من العربية لمعرفة أهميتها والاحتفاظ منها بكل ما له قيمة وتحقيق التفاهم مع الشعوب العربية؛ لذلك كانت هذه المرحلة تمثل مرحلة الانفتاح في الترجمة بين عدة لغات. ومع قدوم القرن الـ21 والتطور المُذهل في التكنولوجيا وظهور الإنترنت، تحول العالم إلى قرية صغيرة يستطيع شخص في أقصى الكرة الأرضية التواصل مع شخص آخر في أدناها، وارتفع معدل التجارة والسفر والسياحة والشراكات الاقتصادية والصناعية المختلفة؛ لذلك ازدادت حاجة العرب للترجمة للنهوض بدولهم وتحقيق التقدم الحضاري، خاصةً بعد ظهور النفط واعتماد الدول الكبرى على العرب في تزويدهم بالطاقة لتشغيل المصانع وخطوط الإنتاج في كل المجالات؛ لا سيما في ظل سفر المواطنين العرب إلى الدول الأخرى وعقد الشراكات الاقتصادية والسياسية المختلفة، واحتياج الجميع إلى الدول الغربية والآسيوية التي تمتلك التقدم العلمي والتكنولوجي في عدة مجالات؛ حتى أصبحت الترجمة هي حجر الزاوية لكل العلوم الأخرى؛ وحتى في أمور الحياة أصبح لا يمكن الاستغناء عنها أو العمل بدونها؛ ومن هنا ظهر التخصص في الترجمة، فأصبح هناك «الترجمة القانونية، والترجمة الإعلامية، والترجمة الطبية، والترجمة الأدبية، والترجمة العامة، والترجمة السياسية، وغيرها». ولم تكن الترجمة هي وحدها التي تطورت؛ بل إن المترجمين أيضًا مروا بمراحل تطور مختلفة مع التقدم التكنولوجي؛ حتى أصبحت هناك معايير معينة لقياس مدى نجاح الترجمة ودقتها في إيصال المعنى الصحيح من اللغة الأصلية إلى اللغة الأخرى. قياس مدى نجاح الترجمة مع تطور علم الترجمة، أصبحت الدقة هي العنصر الأساسي في معرفة ما إذا كانت نصوص اللغتين المصدر تمكنت من توصيل نفس الرسالة أم لا، لذلك فقد وضع خبراء الترجمة معيارين لقياس هذا الأمر هما: أولاً: الإخلاص، وهو المدى الذي تنقل به الترجمة معنى النص المصدر بدقة، على أن يكون دون أي إضافة أو حذف منه، ودون تكثيف أو إضعاف أي جزء من المعنى، ويطلق عليها ترجمة مخلصة (faithful translation)؛ نظرًا لأنها تعتمد على الإخلاص في إيصال نفس المعنى بأقرب مصطلحات ممكنة وتجنب وجهة النظر الشخصية للمترجم. ثانيًا: الشفافية، وهو المدى الذي تظهر به الترجمة أصلية للناطق الأصلي للغة الهدف بما يتفق مع قواعد اللغة وأعرافها النحوية والاصطلاحية، وكأنها كُتبت أصلاً بتلك اللغة، وهو ما يسمى ترجمة اصطلاحية (idiomatic translation)، بمعنى أنها تعتمد على المصطلحات اللغوية. وعلى الرغم من اتفاق علماء الترجمة على الإخلاص والشفافية في تحديد مقياس نجاح الترجمة؛ إلا أن هناك اختلافًا كبيرًا حول مدى صحة الأمر، فعلى سبيل المثال فإن ترجمة كلمة بكلمة والتي اعتمد عليها أغلب المطورين في إطلاق برامج الترجمة الآلية أغلبها يكون غير صحيح وتؤدي إلى معانٍ مختلفة ليست المقصود من النص في اللغة الأصلية. لذلك فإن نظريات الترجمة الحديثة تختلف حول مفاهيم الإخلاص والترجمة، مثل عالم الترجمة الفرنسي الكندي أنطوان برمان (Antoine Berman)، والمُنَظِّر الأمريكي لورانس فينوتي (Lawrence Venuti)، اللذين يريان أن الترجمة يجب أن تكون خلاقة ومبتكرة وتعبر عن وجهة نظر المترجم الذي يكون له أسلوب في الكتابة وسرد النص بما يحمله من مصطلحات يستطيع من خلالها إيصال الرسالة التي يريدها دون أن يكون هناك زخم في النص أو اختلاف عليه.