رن هاتفي في تمام الساعة الثامنة صباحًا، فتناومت واسترجعت بضعة مشاهد من حُلمٍ جميل لم أر مثله قط، وإذا بالهاتف يرن مرة أخرى ليكتب نهاية هذا الحلم لأستيقظ على كابوس من كوابيس هذه المهنة الشاقة، إنه اتصال هاتفي من أحد العملاء يستغيث بي لأنجز له ترجمةً لإحدى المقالات العاجلة، وبعد محاولاتٍ وكرٍّ وفرٍّ للهروب من هذا المشروع ذي الموعد الضيق لم يكن أمامي بدٌّ إلا أن أرضخ لرغبة العميل. وبالفعل أخذت بضع رشفاتٍ من فنجان القهوة وأخذت أصابعي تداعب لوحة مفاتيحي لأنجز له العمل، وما هي إلا ساعة ونيف حتى انتهيت من ترجمة المقالة، وعملًا بمقولة الجد راشد (Muhammad Rashed) الناصح الأمين لكل مُترجم خبير، أرسلت المقالة للمراجعة اللغوية لدى أحد أساتذة التدقيق اللغوي ثم ارتد الملف إليَّ ليدخل مرحلة المراجعة وبعدها مرحلة القراءة النهائية من قِبَل شخص آخر لا علاقة له بالترجمة يمثِّل عين القارئ حتى يُقيِّم النص.
انتهيت من المشروع وأرسلته لهذا العميل الملهوف. وما هي إلا بضع دقائق حتى وجدته يهاتفني مرة أخرى، تهللت فرحًا ظنًا مني أنه يحمل في جعبته بشارةً أو مشروعًا جديدًا، ولكن سرعان من انطفأت هذه الفرحة؛ وإذ به يقول إن الترجمة مَعيبة. ولما كنت مُعتادًا على مثل هؤلاء القوم. بادرته وكيف لك أن تدَّعي ذلك! ائتني ببرهانك إن كنت من الصادقين، فصمت برهةً وقبل أن يتحدث ثانية قاطعته: إياك أن تكون من هؤلاء القوم الذين يعمدون إلى هذه الآلة السخيفة التي تنازعنا رزقنا فيُقَيِّمون بها العمل، ويضعون الترجمة عليها وينتظرون منها أن تُخرج لهم نفس النص الأصلي، ولما علم صاحبنا أنني اكتشفت أمره وهتكت ستره أنهى مكالمته ولا يزال على تلك الحالة من حينها. وخلاصة القول يا إخواني طالما كان المُترجم واثقًا من عمله فلابد أن يستميت في الدفاع عنه وألا يستسلم لمناوشات هؤلاء العملاء.